هل يمكن للمكافأة أن يعيق التعلم بدل تعزيزه؟إن الحفاظ على الحافز خلال
التعليم أو المذاكرة يعتبر من الأمور المهمة التي يسعى المُتعلم لتنميتها
والاهتمام بها، لما تقدمه من قدرات بالغة على التركيز وعدم النفور من
العملية التعلمية. وكوسيلة لذلك، هناك الكثير من مهتمي التربية ممن
ينصحون باعتماد نظام المكافأة سواء الشخصية (مكافأة المتعلم لنفسه) أو
للغير (مكافأة المُعلم لطلابه مثلًا) من أجل تقوية الحافز والدافع من
التعلم. لكن، ونقيضًا لهذا التيار، هناك متخصصون ممن يرفضون الاعتماد على
هذا النظام لما له من تأثير سلبي وترتبات قد تصبح كارثية، عكس النتائج
المرجوة.
بين الاثنين، سنحاول من خلال هذا الموضوع أن نتحدث عن نظام المكافأة، وعن
إمكانية اعتماده في كمُحفز للتعلم أو المذاكرة.
المكافأة.. أسئلة بنظرة مختلفة..
يقصد بالمكافأة بشكلٍ مختصر الحصول على شيء مادي (مال أو هدية…) في حال
القيام بعمل ما.
هنا، يجب تحليل الأمور بصورة معمقة أكثر، والبدء بالعمل الذي يستدعي
المكافأة ؛ أهو عمل على الشخص القيام به دونها ؟ بمعنى آخر، إن كان من
واجب الشخص أن يذاكر، فهل يجب مكافأته على القيام بذلك رغم أنه كان
لزامًا عليه فعله ؟ هو سؤال، يمكن الدفع به قليلًا لما أبعد من ذلك ؛ مع
اعتماد نظام المكافأة، هل يصبح متلقيها مبرمجًا على عدم القيام به إلا في
حال وجدت ؟ أي أنه لن يقوم بهذا العمل (الذي يفترض أنه واجبه على كل حال)
إلا في حال ارتبط بمكافأة ما ؟
أسئلة كثيرة تستدعي التوقف، وهي انطلاقة أبحاث Alfie Kohn في كتابه، حيث يقول:
"مهما كان العمر أو الخلفية الاجتماعية ، فغالبًا ما يكون الفضول أو
الشغف الدافعان الأساسيان لكل تصرُّف، مدفوعين بالسعادة الخالصة، نستطيع
بهما جرّ حدودنا أو إعطاء معنى للعالم ككل. لا شك في أن كل تصور اليوم
بات يجلب إنكارًا جديدًا للاعتقاد الساخر المحزن القائل بأن المرء لا
يقدم مجهودًا إلا في مقابل المال، أو ربت على الكتف أو أي نسخة – وقحة –
أخرى مقابل قطعة بسكويت لكلب مهذب جيد." – Alfie Kohn
المكافأة . vs الدافع
إن ربط المكافأة بالدوافع هو أمرٌ غير عادل، حيث أنه وبنظرة علمية تنقسم
هذه الأخيرة إلى شقين:
الدوافع الداخلية والتي يقصد بها الأهداف الخاصة والحوافز الباطنية للشخص
والتي تسَطّر رغبته وقدرته على القيام بفعل ما. يستمدها في الغالب من
رغبته الخاصة ووعيه الخالص.
الدوافع الخارجية: كعبارات الثناء والضغط الاجتماعي والمقابل المادي…
الذي يحصل عليه من خلال القيام بفعل ما.
بين الاثنين، فالدوافع الداخلية تعتبر الأكثر أهمية، لما فيها من ضمان
مستمر وقوي لأهمية القيام به ومدى إتقانه.
وهنا، وبإسقاط نظام المكافآت على الدوافع، يتضح بصورة أساسية أنها تعمل
على تنمية الدوافع الخارجية المادية بحيث تجعل من الإلزامي الحصول على
مكافأة (حافز خارجي) للقيام بفعل المذاكرة أو التعلم أو غيرهما. بل أكثر
من ذلك، فإنها "لا تشير فقط إلى أن المُتعلم يفتقر إلى المهارات، بل إنه
لا يسعى إلى امتلاكها" حسب Alfie Kohn .
فالتعلم، بمعناه العام خارج أسوار المؤسسات التعليمية، هو عملية تهتم
بشكل مباشرة بتنمية القدرات الخاصة والمعارف الشخصية، دونما الحاجة
الكاملة إلى تقدير أو اهتمام. وإن انتظار المكافأة من أجل القيام بعمل
يدل على أن فعله لايمكن أن يتم دون دافع خارجي أو مقابل مادي. وبالتالي،
فإهمال القدرات الباطنة للشخص وتجاهل دوافعه الداخلية يجرد التعليم من
معناه المميز الذي يهتم بالتطوير والاكتساب…
اقرأ أيضاً: أنجح سبع شخصيات أثبتوا فاعلية التعليم المنزلي
كيف يمكن اعتماد نظام المكافأة بشكلٍ إيجابي؟
من أجل استغلال جيد لنظام المكافأة بشكلٍ لايؤثر سلبًا على الدوافع
الداخلية، فلا تصبح بذلك "عبودية للعقل" كما تطلق عليها Maria Montessori
، يمكن الالتزام بنقطة أساسية :
المكافأة للهدف وليس الفعل
اربط نظام المكافأة بالأهداف وليس الأفعال، واجعلها مقابلًا لتحقيق أهداف
قوية صعبة. مثلًا، إن كنت تتعلم لغة أجنبية، فلا تكافئ نفسك فقط بعد تعلم
20 كلمة، بل كافئها إن أنت استطعت تعلم 100 كلمة في أسبوع واحدٍ مثلًا.
هكذا، ستربط التحدي بالمكافأة وليس الفعل فقط. وإن أنت حصلت عليها (أي
حققت هدفك) فأنت تعلم يقينًا أنك تستحقها لأن التحدي لم يكن سهلًا أو
ممكنًا ببساطة.
لاتكرر المكافأة
لا تعتمد على المكافأة بصفة مستمرة أو متكررة، هكذا ستتمكن من كسر صفة
الالزام التي لايجب أن تكون. لا تكافئ نفسك أكثر من مرة واحدة مثلًا على
قدرتك على مذاكرة مادة كاملة في ساعة واحدة فقط، إن أنت فعلت ذلك بصفة
مستمرة، فستبرمج عقلك على ضرورة الحصول على المكافأة إن أردت فعل ذلك،
وسيصعب عليك إذًا مذاكرة نفس المادة خلال نفس المدة إن لم يكن هناك
مكافأة في الانتظار…
بدل المكافأة المادية، تحدّ نفسك وسطر أهداف، وتذكر بشكلٍ واعٍ أنها
طريقة للاحتفال فقط بتحقيق ما أردته وليس شرطًا للقيام به.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق