في هذا المقال سنستعرض بعض النقاط التي أراها من وجهة نظري سبباً في
إختفاء المسلسلات الدينية والتاريخية من رمضاننا، والتي نحن في أشد
الحاجة إليها.كان يعد طقساً أساسياً في الشهر الكريم، وعلى مدار سنوات
طويلة قُدمت العديد من المسلسلات الدينية والتاريخية التي تناولت قصص
وحكايات لأحداث هامة غيرت تاريخنا العربي والإسلامي، وكذلك نماذج لشخصيات
تعد مثلاً يُحتذى به، وقدوة للشباب العربي في خصالهم ومواقفهم فى الظروف
المختلفة.
ولكن أين تلك الأعمال الآن؟
المسلسلات الدينية التي تابعها الكثير من المشاهدين بإهتمام وحماس بدأت
بالإنحدار ومن ثم الإختفاء شيئاً فشيئاً، حتى أننا لم نعد نسمع عن عمل
جيد أو حتى سيئ جديد خلال الأعوام الماضية، اللهم إلا القليل من الأعمال
التي أنتجتها الدراما الخليجية والسورية _ والمتميزة في هذا اللون بشكل
كبير _ ولاقت نجاحاً كبيراً، بينما وُئدت هذه المسلسلات من الدراما
المصرية.
فنرى هذا العام على سبيل المثال أنه لم يُقدم مسلسل ديني واحد في أى من
الدراما العربية، حتى فى الدراما الخليجية التي عودتنا على وجود عمل
درامى ديني في شهر رمضان، بينما قُدمت بعض الأعمال التي تُصنف ضمن
الدراما التاريخية مثل: (العاشق- صراع الجواري)، و(مقامات العشاق)،
و(الحرملك)، وإن كان فيها ما واجه هجوماً شديداً منذ الإعلان عنه وحتى
بعد عرض عدد كبير من حلقاته في رمضان.
فما هو السبب خلف عدم وجود الأعمال الدينية والتاريخية إذا؟
وفي هذا المقال سنستعرض بعض النقاط التي أراها من وجهة نظري سبباً في
إختفاء هذا اللون من الأعمال الهامة والثرية من رمضاننا، والتي نحن في
أشد الحاجة إليها.
أقرأ أيضًا: بدل الحدوتة تلاتة .. "دنيا سمير غانم" تقدم ثلاثة مسلسلاتٍ في رمضان!
الدراسة والتحضير الشاق مقابل العمل المضمون
نعم يعد هذا أحد الأسباب القوية ربما لإختفاء المسلسلات الدينية فصُناع
الدراما حالياً أصبح يلجأ الكثير منهم إلى الأعمال الخفيفة الكوميدية أو
الإجتماعية التي يفضلها الجمهور، وبذلك يكون نجاح مثل تلك النوعية من
المسلسلات مضمون بالنسبة لهم بشكل كبير.
فما حاجتهم إذاً للبحث والدراسة والعودة للمراجع التاريخية وإنتظار
الموافقات من الجهات الدينية المختصة، فضلاً عن إيجاد الممثلين المناسبين
لأداء هذه الأدوار، خاصة وأن بعضهم لا يتقنون إستخدام اللغة العربية
الفصحى، والتي تعتمد عليها هذه المسلسلات، وكذلك البحث الكافي الذي يقوم
به الممثل عن الشخصية التي سيقوم بتجسيدها، فكثير من الممثلين أصبح الآن
يبحث عن الدور السهل والسريع.
وإن كان هناك عدد من مسلسلات السيرة الذاتية قد لاقت نجاحاً كبيراً فيما
مضى مثل: (عمر بن عبدالعزيز)، ومسلسل (الطارق)، ومسلسل (إمام الدعاة)
الذي تناول حياة الإمام "محمد متولي الشعراوي"، وحَظى بمشاهدة واسعة من
الجمهور، وكان له أثره على المشاهدين بإعتباره مسلسلاً إجتماعياً أيضاً،
يمثل الإسلام الوسطي المعتدل، ويعرض أحد النماذج الهامة والمؤثرة.
هل الميزانية الضخمة هى سر نجاح المسلسلات الدينية ؟
يُعتبر مسلسل (عمر) هو آخر تلك الأعمال التي أنتجتها الدراما العربية،
ويملك هذه الميزة وهي الإنتاج الضخم، حيث بلغت تكلفته نحو 200 مليون ريال
سعودي أى ما يتجاوز ال 53 مليون دولار أمريكي، وظهر ذلك بشكل واضح في
الديكورات والأزياء، وأيضاً مشاهد المعارك التي تُشبه ما يتم تنفيذه في
إستوديوهات هوليوود.
ولكن هل بالإمكان تكرار تلك التجربة في كل عام؟!
الأمر ليس بهذه السهولة، فالميزانية الكبيرة التي تحتاجها أغلب المسلسلات
الدينية والتاريخية، تتحكم بشكل كبير في ظهور هذه الأعمال بأفضل مستوى
لها، بل وخروجها للنور من الأساس.
لذلك أصبح من الصعب الآن، أن نرى عملاً مكتملاً محبوكاً في ظل بحث
المنتجين عن المكسب المادي فقط، دون الإلتفات للقيمة الفنية التي تُقدمها
هذه الأعمال.
وإن كانت الدراما الخليجية والسورية والأردنية أيضاً قد تجاوزت هذا الأمر
بفضل الطبيعة الجغرافية لها، والتي تسهل عليها إيجاد مواقع التصوير
المناسبة لطبيعة العمل، وكذلك تعاون المسؤولين على خروج هذه الأعمال
بأفضل صورة، مما يجعل مهمتهم أسهل بكثير.
وهذا العنصر يجعل المنتجين قلقون بشأن خوض تلك التجارب في الوقت الذي لا
يعلمون إن كانوا سيتمكنون من عرض أعمالهم في أوقات تشجع الجمهور على
متابعتها، أم سيحل محلها أعمال أكثر سطحية، و أيضاً عدم معرفتهم بمدى
تقبل الجمهور للعمل الدرامي الذي سيقدمونه، وهل سيلقى نجاحاً أم سينصرفون
عن متابعته، كل هذا يجعل المنتجين يتراجعون عن الفكرة من بدايتها.
ولكن هل الميزانية الضخمة وحدها من يصنع عملاً دينياً ناجحاً ومؤثراً؟!
فكم من أعمال لم تحتاج من صانعيها تلك الأموال الطائلة لإنتاجها، وإعتمدت
على القصة والمضمون ورائها، وكان منها كثير من سلك الشكل الإجتماعي
القريب من البيوت العربية، فهل ستظل الميزانية ذريعة لمن عزف عن تقديم
هذا اللون من المسلسلات!
بين مؤيد ومعارض لها تبقى الأزمة مستمرة
سبب هام من أسباب إبتعاد كثير من صناع الدراما عن إنتاج المسلسلات
الدينية والتاريخية هى الهجوم الذي يتعرضون له منذ بداية طرحهم للإعلان
الدعائى للعمل وحتى بعد إنتهائه، ورفض كثير من الهيئات الدينية في الوطن
العربي لهذه المسلسلات، خاصة التي تجسد الصحابة والشخصيات الإسلامية.
كما حدث مع مسلسل (الحسن والحسين) _على سبيل المثال_ منذ بداية ظهوره،
والذي تناول أحداث الفتنة الكبرى عقب وفاة الخليفة "عثمان بن عفان"، وقد
واجه المسلسل العديد من الإنتقادات ومطالبات بوقف عرضه، كما حدث لغط كبير
على مواقع التواصل الإجتماعي بين مؤيد لتجسيد أحفاد رسول الله صلى الله
عليه وسلم وصحابته بالصوت أو بالصورة، وبين رافض لهذا الأمر نهائياً، كما
تم حظر عرض المسلسل في عدد من الدول العربية للسبب نفسه.
وماحدث مع مسلسل (الحسن والحسين) يحدث مع كل عمل ديني يظهر على الساحة
الفنية، بل قد يصل الأمر إلى مقاضاته قانونياً أمام القضاء، مما يجعل
الكثير من القائمين على هذه الأعمال يفكرون مراراً وتكراراً قبل أن
يُكرروا التجربة مرة أخرى.
أقرأ أيضًا: تريلر الحلقة الثالثة من الموسم الثامن لمسلسل لعبة العروش!
ويبقى التساؤل مطروحاً…متى تعود المسلسلات الدينية والتاريخية إلى
الشاشات العربية، خاصة مع التطور الكبير في أساليب و تقنيات التصوير
والمؤثرات البصرية والصوتية وتصميم المعارك وغيرها.
متى تعود تلك الحالة التي إختص شهر رمضان الكريم بها عن غيره، والتي تصنع
أجوائه معها حالة من الروحانية والسكينة والتقرب إلى الله.
فإن لم يكن للمسلسل الديني مكان في شهر رمضان المبارك، فأين يكون وقته ومكانه إذا ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق