لا أحب الذين ينقدون الدحيح فقط لأنه لا يقوم بوضع المظلة الدينية فوق
رأس العلم. فله الحرية بفعل ما يشاء. ولا أحب أيضًا الذي ينتقدون القنيبي
فقط لأن مظهره يوحي بأمور لا تريحهم. فيستنكرون نقده الصحيح فقط لأنه
يخرج من إنسان لا يحبذونه سلفًا! منذ متى كانت الحقيقة تعتمد على شكل
الشخص؟ما نكتبهُ هنا مُجرّد رأي شخصي قد لا يكون مُهمًا بالنسبة لك. وهو
بالمناسبة أيضًا مِن شخص يشعر بالملل لذلك يريد أن يكتب عن شيء ما يسلّي
به نفسه. فلا تأخذه كثيرًا على مَحمل الجد، فالموضوع بسيط ولا يحتاج إلى
مُجاذبات عنيفة مِن هنا وهناك.
لا أتابع الدكتور القنيبي ولا الشاب الدحيح. لكني رأيت الصراع الذي جرى
مؤخرًا، وهناك تشغيبات سريعة بسيطة أود ذكرها مِن منظور خارجي لكلا
الطرفين.
التهمة الرئيسة للدحيح الموجهة له من الدكتور القنيبي أنّه مُلحد ينشر
الخرافات. صراحةً هذه التهمة أراها بلا معنى وليست تُهمة. لأنها فعلًا
بلا معنى! لنفرض أن الدحيح خرج في فيديو لمدة 10 دقائق كاملة وقالَ أنا
مُلحد وأنا أنشر الخرافات، ماذا يعني هذا؟ لا شيء أبدًا. عزيزي الدكتور
القنيبي، كل إنسان له حرية التعبير بما يفعله. أنت تنشر على قناتك ما
تُريد وهو ينشر ما يُريد، ولكَ الحق دائمًا أن تنتقد فعل أي شخص بطريقة
محترمة مهذبة لا تدعو للكراهية. ولهم هم أيضًا الحق أن يقوموا بنقدك
بطريقة مهذبة راقية.
لكن ما معنى الاتهام نفسه؟ حسنًا لنسلم جدلًا بأن الدحيح قال أنا ملحد
خُرافي. ما علاقة هذا بالأمر؟ هل فعل الدعوة لأفكارنا وقناعاتنا الشخصية
حلال علينا فقط وحرام على الآخرين؟ بمعنى أني أنا فقط من يحق لي أن أدعو
لأفكاري فقط بينما الآخرين لا!
لا أعرف ما الإجابة هنا، سأتركها لك عزيزي القارئ. لكن التناقض وازدواجية
المعايير أمر مشين في وقتنا الحالي، ويخالف مبادئ العدل بين الناس.
نقطتي الثانية تجاه الدحيح وليس القنيبي. جُل مشاهدتي للدحيح لا تتعدَ
الخمس حلقات لذلك لا أعرف ما الذي يقدّمه كثيرًا لكني سأجازف بطرح وجهة
نظر حدسية بناءً على ما تلمسته في أذهان الناس. مهمة أحمد الغندور هي
البوب ساينس أو العلوم الشعبية. هدف العلوم الشعبية الرئيس هو الترفيه
وليس العلم. فمن الطبيعي أن يكون محتوى الدحيح ناقص علميًا أو سطحي أو أي
صفة سلبية يمكنك أن تفرضها عليه. المشكلة هنا أن العلوم الشعبية كمجال
كامل هي غير مفيدة ودائمًا ما تكون عرضة للهجوم. السبب في ذلك بسيط،
أنّها تخلّ التسلسل الهرمي الصحيح للتعلّم.
الترتيب الصحيح للفهم العلمي هو أن تبدأ مِن القاع، تبدأ من الدرجة
الأولى المعروفة باسم التفكير العلمي – أبرز سماته القدرة على التجربة،
والقابلية للتكرار – ومن ثم الدرجة الثانية، فالثالثة فالرابعة. وهكذا
دواليك، فتكون المعرفة العلمية تراكمية بطيئة درجة بدرجة وطوبة بطوبة.
مشكلة العلوم الشعبية أنها تقوم بأخذ مفاهيم علمية ضخمة وتطحنها وتمضغها
بشكل بسيط مُيسّر لتقدمها للعوام تمامًا. أي أنها تقدمها لمن ليسوا في
الدرجة الأولى حتى من الهرم العلمي، فمن الطبيعي جدًا أن يحدث صدام بين
أي إنسان يقوم بعلوم شعبية، وبين غالبية الناس المتابعين، لأن الأمر هنا
شبيه بغناء الأوبرا العالمية لشخص أطرش. لا يمكن لأمر كهذا أن يستقيم.
كمثال آخر هو القراءة. مثلًا يقوم البعض بقراءة الكتب الصعبة والمخضرمة
ويلخصونها بشكل سلس لكي يفهمها العاديون البسطاء. الأمر جميل في ظاهره
لكن عندما يشكّل مسار كامل يصبح كارثة. لأن القارئ في مرحلة ما يجب عليه
أن يرفع من مستوى وعيه ليصل إلى رتبة فهم الكتب الصعبة، وليس أن يقول
بسطولي الأمر بسطولي الأمر!
البوب ساينس تفعل ذلك دائمًا، تقوم دائمًا بالتبسيط التبسيط، وهذا خاطئ
لأن هناك مراحل يجب أن يتبعها المشاهد أو القارئ لكي يصبح مؤهلًا لتقبل
الحقائق التي تقبع في قمة الهرم العلمي المعرفي. لكن عندما تأخذ أنت هذه
الحقائق وتهضمها وتطحنها لكي تقدمها لمن هم خارج الهرم بكامله فطبيعي أن
يحدث اصطدام وسوء فهم.
كما أن الهدف من البوب ساينس ليس التعليم أبدًا بل الترفيه، لذلك نقدها
علميًا ومصادريًا أمر خاطئ، لأنها هي نفسها ليست معنية بالدقة. الدقة
والبحث الحقيقي مكانه الجامعات ومعاهد التعليم وليس اليوتيوب والمونتاج.
نعود مرة أخرى للقنيبي. من حق القنيبي أن ينقد أي فكرة يريدها، سواءً
التطور، الدين، العلم، السياسة، الاجتماع، أو أي شيء. لكن على الأقل أن
يحدد مَن هو جمهوره المخاطب أو المنهج الذي يمشي عليه. مثلًا القنيبي
ينقد التطوّر وهذا من حقه. لكنه ينقد التطور وهو يضع نظارات طبية على
عينيه! لا أعرف، لكن ألا ترى هذا تناقض مع الإحكام التصميمي الذي تؤيده
أنت يا دكتور. إذ يبدو أن العين التي تدافع عن دقتها وخضرمة تصميمها لم
تصمد 40 سنة إلا واحتاجت لنظارات، فما هو تفسيرك لذلك؟
مثال آخر مرض السرطان، المراجع الطبية تشير لمرض السرطان دائمًا بأن سببه
الرئيس هو «مناعي ذاتي». لكي أختصر عليك العناء عزيزي القارئ كلمة مناعي
ذاتي هي كلمة طبية مهذبة لعبارة «حمضك النووي معطوب وفاسد». أي أن مرض
السرطان لا سبب له سوى أنك تحمل حمض نووي يساعد على السرطان.
مثلًا التدخين، البعض يدخن لمدة عشرة سنوات ولا يحدث له شيء. والبعض
الآخر يدخن لمدة أسبوع واحد ويصيبه السرطان. لماذا يحدث هذا؟ لأن السرطان
مرض مناعي ذاتي، أي أن البيئة والعوامل المؤهبة تلعب دور إشعال فتيل فقط.
بينما الأساس والركيزة فيه هو الحمض النووي الذي تملكه أنت، والذي وُلدت
عليه. أي بلغة القنيبي دعنا نقول: حمضك النووي المعطوب المؤهل للسرطان
الذي خُلقت عليه.
صراحةً أتمنى أن يعالج القنيبي موضوع هذه الأسئلة، كونه ناقد للتطور،
فأريد أن أعرف وجهة نظره الغير تطورية لتفسير أمراض كالسرطان وضعف البصر
والنظارات التي يرتديها هو نفسه.
النقد الثاني للدحيح أنه كثيف كمحتوى. أعرف أن هذا لا يعتبر نقدًا، لكن
صراحة أرى دائمًا أن الإنسان الذي يبالغ في الظهور والتقديم يكون ذلك على
حساب جودته وعلى حساب قيمة ما يقدمه. فالنوعية في غالبها تكون على علاقة
عكسية مع الكمية.
مشكلة القنيبي العلمية فقط – لا علاقة لنا هنا بموقفه الديني والسياسي –
أنه موجه للعوام وليس الخاصة. لاحظوا أن القنيبي يحمل دكتوراة في الأدوية
أي أنّه يعلم منهجية البحث العلمي وكيف يجري. لكنه يصر على تقديم محتوى
فقط مرئي للبسطاء من الناس دون غيرهم. للإجابة على هذا التساؤل ذهبت إلى
موقع غوغل سكولار، وهو محرك بحث الأوراق العلمية المرموقة والمراجعة
بحثيًا لأرى ما كتبه القنيبي هناك.
وضعت أسمه هناك والنتيجة كانت كالتالي:
كما ترون أبحاثه في مجال الأدوية وتأثيرها العلاجي على جسم الإنسان. لدي
تساءل هنا. كون الدكتور العزيز القنيبي يعرف مجال البحث العلمي وطرائقه
لمَ لا يقوم برفع بحثه وتشغيباته في نقد التطور هنا؟ لمَ لا يسلك المنهج
الحقيقي في نقد التطور؟ لما يقرر أن يسلك منهج اليوتيوب؟ وينشر نقده في
مجتمع البسطاء بدلًا من مجتمع المراجعات العلمية الرصينة؟
لا أعرف الجواب، وأتمنى من القنيبي أن يعطي جوابًا إن أراد.
فمثلًا لدينا دوكينز. المشاغب الكبير في مجال العلم والدين والتطور.
عندما نضع اسمه في موقع الأبحاث العلمية نجد التالي:
كما ترون كلها أبحاث في مجال الأحياء والتطور، وهو اختصاصه الذي درسه في
أوكسفورد. كما أن نسبة الاستشهاد بها عالية أيضًا وهو ما ترونه عند كلمة
Cited by.
فسؤالي هنا الذي أتمنى معرفته من الدكتور القنيبي. لمَ لا تسلك منهجًا
علميًا بحثيًا في نقد التطور؟ لم تكتفِ باليوتيوب موجهًا كلامك حصرًا
لجمهور من العوام؟ خصوصًا أنك تعلم البحث العلمي وطرقه. فلم لا تفعل؟
آخر نقد للدحيح هو أنه يتكلم بسرعة. صراحةً بعض المواضيع الفلسفية
العلمية تحتاج لهدوء أو نبرة مستقرة. أعرف أن هذا النقد ليسَ في مكانه،
لأنّ العلوم الشعبية والبوب ساينس قائمة على الضجة نوعًا والسرعة. لكن
ربما بإمكانه أن يغير في الأداء نوعًا ما، أو يعطينا أسلوب أفضل مما هو
عليه.
ختامًا أذكرك بأن هذا المقال وجهة نظر ليس إلا فلا تأخذه بشدة وتحمل
الأحمال في قلبك وعقلك. لا أحب الذين ينقدون الدحيح فقط لأنه لا يقوم
بوضع المظلة الدينية فوق رأس العلم. فله الحرية بفعل ما يشاء. ولا أحب
أيضًا الذي ينتقدون القنيبي فقط لأن مظهره يوحي بأمور لا تريحهم.
فيستنكرون نقده الصحيح فقط لأنه يخرج من إنسان لا يحبذونه سلفًا! منذ متى
كانت الحقيقة تعتمد على شكل الشخص؟
لذلك، أحببت فقط أن أعطي رأي بسيط ميسر لإنسان لم يتابع سوى القليل لكل
منهما. فكانت تدويتنا هذه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق