مع اقتراب وصول الحوسبة الثنائية أو الكلاسيكية إلى حدود أدائها، أصبحت
الحوسبة الكمومية واحدةً من الاتجاهات الرقمية الأسرع نموًا ومن المتوقع
أنْ تكون الحل لتحدّيات ما يُعرف بالبيانات الكبيرة (Big Data) في
المستقبل
ما هو الفرق بين الحوسبة الكلاسيكية والكمومية؟ وكيف ستؤثر على مستقبل
الحوسبة وعلم البيانات؟ بواسطة أراجيك - نثري المحتوى العربيفي كل يوم
يُنشئ البشر أكثر من 2.5 إكسابايت من البيانات ويستمر هذا العدد في النمو
مع الاستخدام المتزايد لإنترنت الأشياء وتقنية الاتصالات 5G. ويُعد
التعلّم الآلي والذكاء الصناعي إحدى الطرق المساعِدة في إدارة البيانات
وتحليلها، لكن مع الابتكار السريع والمستمر في التقنيات قد تصبح البيانات
مُعقّدة بشكلٍ متزايد لجمعها وتحليلها بواسطة الحواسيب الحالية.
الحوسبة الكلاسيكية
من المعلوم أنِّ أجهزة الحواسيب الحالية تُخزّن البيانات بالنظام 0 أو 1،
تُعرف القيمة الواحدة بالبت وهي أصغر وحدة في نظام الحاسوب الكلاسيكي
ومجموع أكثر من قيمتين تعرف بالبتّات.
وتسمى سلسلة المجموعة من البتّات معًا بالرمز الثنائي. على سبيل المثال،
يتم تخزين الحرف "A" في الحوسبة الكلاسيكية في شكل ثنائي بالرمز 0100
0001، ويكمن التحدي في الحوسبة الكلاسيكية في أنّه يمكن تشغيل عملية
حسابية واحدة فقط في كل مرة. لذلك عندما تكون هناك مجموعة كبيرة من
البيانات التي تحتاج إلى عمليات حسابية مُعقّدة فإنَّ هذا يؤثر بالسلب
عليها ويُقلّل من قدرتها الحسابية.
الحوسبة الكمومية
الحوسبة الكمومية تعمل بطريقة مغايرة لأجهزة الحواسيب الحالية، من خلال
الاستفادة من خواص الذرّات والجزيئات الفردية التي تُعرف بميكانيكا الكم،
حيث بإمكانها تخزين المعلومات ومعالجتها في وقتٍ واحد بطرق يُستحال
تنفيذها مع أجهزة الحواسيب الحالية. يمكن للبت الكمومي أو اختصارًا
بالكيوبت وهو أصغر وحدة في نظام الحاسوب الكمومي، أنْ يتخذ العديد من
الأشكال مثل الذرّات، الأيونات، الفوتونات، وحتى الإلكترونات الفردية
التي تتحرّك في الدارات الكهربائية. بعكس البتّات الكلاسيكية يمكن أنْ
تكون الكيوبتّات في حالة 0 و 1 في نفس الوقت! لذا فإنَّ ما تقيسه يحدّد
ما سيكون عليه الناتج النهائي للكيوبت من خلال خاصيتي التراكب والتشابك
الكمومي.
الحالات المتعددة
بفضل خاصية التراكب الكمومي الموجودة في فيزياء الكم، يمكن أنْ تكون
الكيوبتّات في حالات متعدّدة في نفس الوقت بقيمة 0 و 1، لأي مجموعة من
الأرقام الثنائية. لتبسيط هذا المفهوم، تخيّل أنَّ هناك حاسوب كمومي يلعب
الشطرنج، من خلال خاصية التراكب سيكون قادرًا على تحليل كل حركة ممكنة في
وقتٍ واحد من الطرف الآخر، ثم اختيار الأفضل. بعكس جهاز الحاسوب الحالي
الذي يحتاج إلى تحليل واتخاذ الحركات واحدة تلو الأخرى.
القوة الأسية
خاصية أخرى غريبة للكيوبت تسمّى التشابك الكمومي وهي مقدرتها على
الارتباط حتى على مسافات ضخمة- حيث لا يوجد أي احتمال لاتصال مادي-
وعندما يتم ربط وحدتي كيوبت معًا فإنهما سيشتركان في حالة أو قيمة مماثلة
إما 1 أو0. وكل كيوبت يتم إضافته إلى المجموعة سيُضاعف بشكل أُسي من
قدرات المعالجة. فيمكن لزوج من الكيوبت تجسيد أربع حالات، بينما ثلاث
كيوبتّات تجسّد ثماني حالات، أما إذا كان عدد الكيوبتّات 300، فإنّها
تجسّد عدد حالات أكثر من عدد الذرّات الموجودة في الكون!
آلة تورينج
في عام 1930 اخترع البريطاني آلان تورينج جهازه الذي سمّي بآلة تورينج ،
وكان له الفضل في التمهيد لاختراع جهاز الحاسوب. تتألّف مكوّناتها من
شريط بطول غير محدود مقسّم إلى مربعات فردية. تحمل كل من هذه المربعات
قيمة 1 أو 0. بعدها يتم وضع الشريط داخل جهاز لقراءة بيانات المربعات
الفردية، ومن ثم إرسال مجموعة الأرقام الثنائية إلى آلة تقوم بتنفيذها
واحدة تلو الأخرى، بطريقة مشابهة لما يفعله جهاز الحاسوب أو الهاتف
الذكي، فهو يأخذ سطر واحد من التعليمات البرمجية في كل مرة ويقوم
بمعالجته.
لكن ماذا لو تم منح آلة تورينج قدرات الحوسبة الكمومية؟ ستصبح المربعات
الفردية غير مقتصرة على الاحتفاظ بـ 1 أو 0 فقط، وانّما كلتا الحالتين في
نفس الوقت! مما يسمح لجهاز تورينج النظري إجراء كمية هائلة من الحسابات
في وقتٍ واحد، بشكلٍ يجعله أقوى نظريًا من أحدث أجهزة الحواسيب العملاقة
اليوم.
أهم التطبيقات الواعدة في الحوسبة الكمومية
قد تتساءل عزيزي القارئ عن التأثير الذي يمكن أنْ تُحدثه الحوسبة
الكمومية في مستقبل علم البيانات، اليك أهم التطبيقات الواعدة التي
ستقدّمها أجهزة الحواسيب الكمومية.
تعزيز التشفير
نظرًا لعدم إمكانية ملاحظة أجهزة الحواسيب الكمومية والكيوبتّات
الداخلية، قياسها أو نسخها بشكلٍ مباشر، فهناك إمكانيات هائلة لعصرٍ جديد
من التشفير الكمومي يمكن أنْ يُحدث نقلة ثورية في كيفية الحفاظ على أمن
بياناتنا الرقمية.
كسر التشفير
على الجانب الآخر، تعِد الحوسبة الكمومية بقدرات هائلة لكسر جميع طرق
التشفير الحديثة. يعتمد تشفير اليوم على تحليل الأعداد الثنائية الكبيرة
إلى عواملها الأولية لإبعاد مفاتيح التشفير عن أيدي المتطفّلين، لكن قوة
المعالجة في أجهزة الحواسيب الكمومية تُمكّنها بسهولة من حساب هذه
الأرقام، مما يؤدي إلى كسر العديد من أنظمة التشفير التي نراها اليوم.
محاكاة النظام
ستكون أجهزة الكمبيوتر الكمومية أيضًا رائعة لدراسة التفاعل بين الذرّات
والجزيئات بمستوى دقيق في التفاصيل، والتي ستسمح لنا بتطوير أدوية ومواد
جديدة.
حل المشاكل المعقّدة
نظرًا لأنَّ أجهزة الحواسيب الكمومية بإمكانها تحليل الكثير من البيانات
في وقتٍ واحد، فإنَّ هذا يجعلها رائعة لاستكشاف الخوارزميات ومجموعات
البيانات المعقّدة للغاية.
الطب الحديث
يمكن للحوسبة الكمومية أنْ تساعد في تطوير علاجات السرطان، عن طريق البحث
في أسرار البروتينات داخل الحمض النووي، والتي ستسمح بتعيين وتعديل
البروتينات بالكامل مثلما يفعل العلماء حاليًا في الجينات.
في الأخير، مع اقتراب وصول الحوسبة الثنائية أو الكلاسيكية إلى حدود
أدائها، أصبحت الحوسبة الكمومية واحدةً من الاتجاهات الرقمية الأسرع
نموًا ومن المتوقع أنْ تكون الحل لتحدّيات ما يُعرف بالبيانات الكبيرة
(Big Data) في المستقبل. على الرغم من أنّها لا تزال في بداياتها، إلا أن
الولايات المتحدة تُخطّط لاستثمار أكثر من 1.2 مليار دولار في الحوسبة
الكمومية على مدى العشر سنوات القادمة في سباق عالمي لبناء أفضل تقنية
كمومية في العالم.
ما هو الفرق بين الحوسبة الكلاسيكية والكمومية؟ وكيف ستؤثر على مستقبل
الحوسبة وعلم البيانات؟ بواسطة أراجيك - نثري المحتوى العربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق